عربي

اهلا بکم في موقع الکاتب والروائي الکردستاني صبري سلیفاني

لقاء\ خدنگ

شـــدن الطــائي

حدثني عن نفسك قليلا

حسنا، ربما الحدیث عن أمور ثانیة أهم بکثیر من الحدیث عن أمور شخصیة ومع ذلک ربما یعتقد البعض أنە بالأمر ألهین عندما یتحدث المرء عن نفسە لاسیما أن کان کاتبا او روائیا. مسألة معرفة الذات هي رغبة أزلیة لدی کل شخص عاقل کما نوە سقراط، فهویتنا الأنسانیة مازالت سؤال یستفز أرثنا وأنکسارات أزمنتنا فکیف الحال مع الهویات الاخری التي أنصهرت في أکثر من بوتقة، و مع ذلک سأحاول ان اقدم نفسي في اسطر قلیلة... صبري سلیڤاني کاتب و روائي من أقلیم کردستان العراق، ولدت في العام ١٩٧٢ وکما هو مدون في هویتي المدنیة الأول من تموز، الا انە غیر صحیح لأن الأول من تموز مجرد أرقام لا تعني لي الکثیر. تصوري، کاتب روائي لا یعرف تاریخ میلادە الصحیح وذلک بسبب البنیة الاجتماعیة التي نشأ فیها والاضطهاد الدائم الذي تعرضت لە العوائل الکردیة في السبعینات من القرن الماضي. رحم اللە والدي، کان یحدثني عن تاریخ میلادي، تارة یقول لي لقد ولدت في اواخر الصیف و تارة اخری یقول عندما مات فلان شخص في القریة!

هکذا تعرفنا علی تاریخنا و احداثها، من خلال سرد أناس أمیین لم یتمکنوا من کتابة یوم میلاد فلذات اکبادهم.

کبرت و ترعرت في قضاء سمیل التي عانت الکثیر من سیاسة التعریب في الثمانینات و انهیت دراستي حتی المتوسطة في نفس القضاء، بعدها توجهت الی مرکز محافظة دهوک لأکمال دراستي في معهد أعداد المعلین سنة ١٩٨٧ و تخرجت سنة ١٩٩٢. بعد مرور سنة علی الانتفاضة الشعبیة التي عمت اغلب محافظات العراق، دخلت المعترک السیاسي من خلال الفکر الیساري و بعد مرور أشهر قلیلة اصبحت کادرا متقدما ونلت شرف قیادة الحزب في قضاء سمیل عن طریق الأنتخابات، لکن بسبب الظروف السیاسیة والاقتتال الاخوي بین الاحزاب الکردیة آنذاک، اضطررت الی ترک البلد و هاجرت ألی أوروبا. مکثت في هولندا کلاجيء سیاسی لغایة العام ٢٠٠٦ و بعدها عدت الی الوطن کي ابدأ التدریس من جدید. نظرا للخلفیة السیاسیة و أیماني بنظریة سقراط و أفلاطون عن الحکم السیاسي، وبأن السیاسة هي علم و فن و فلسفة، دخلت کلیة القانون والسیاسة في العام ٢٠١٣ و تمکنت من التفوق بدرجة جید جدا و حصلت علی البکالوریوس في العلاقات الدولیة.

کم رواية الى الان كتبت؟وهل ترجمت الى العربية او لغات أخرى

في مجال الروایة، بدأت المشوار في في منتصف العقد الثاني من العمر وکانت اول اعمالي الروائیة "دجلة، حین تترک اسماکها ظمآنە" والتي کتبت بالاحرف اللاتینية وصدرت من قبل وزارة الثقافة في السلیمانیة ٢٠٠٤، بعدها کتبت روایة "عشرون سنة وأمسیة" والتي صدرت عن اتحاد الادباء الکرد في دهوک ٢٠٠٥، ومن ثم روایة "مریم، امرأة من زمن آخر" التي صدرت في العام ٢٠٠٧ والتي طبع منها لحد ألان خمسة طبعات في اللغات الکردیة والعربیة والانجلیزیة وکذلک اعتمدت کمنهج تعلیمي في کلیة الاداب في جامعة دهوک و جامعة زاخو، جدیر بالذکر ان روایة مریم طبعت في قصر الثقافة في القاهرة، وکذلک في لندن من خلال دار مومنت للنشر. وفي العام ٢٠٠٩ کتبت روایة "أسفار السلیفي، البحث عن النصف الاخر" والتي صدرت بعد عام من کتابتها. لي کتب اخری نقدیة وادبیة منها "عشرة احلام" و "من البدایة الی البدایة" و خریف الکلمات" وصدرت کلها قبل ٢٠١٠ بعدها تفرغت لدراسة العقل الکردي من خلال مقارنتە بالعقل العربي والغربي و أسس تکوینە وأهم أشکالیاتە، قدمت کل ذلک في کتاب بعنوان "العقل اکردي - نقد العقل العملي" والذي صدر في عام ٢٠١٧ في دهوک.

أما الان فقد انتهیت من کتابة روایة جدیدة جاهزة للطبع، أتناول فیها شخصیة الفرد الکردستاني و هویتە واهم مقومات بناء الذات الکردیة و تساؤلات جریئة عن تاریخە السیاسي والاجتماعي.

ماهي اهم التحديات التي تواجه الرواية الكردية؟

المسألة لیست تحدیات الروایة بل تحدیات الوجود الکردي في هذە المنطقة الموزایکیة والخلافات و الأختلافات البنیوية للمجتمعات في مفهوم الکاتب. الروایة هي بمثابة رؤی بانوراماية لکل ما هو موجود في الحیاة الزمکانیة. نحن في هذە الجغرافیا ندعي بوجود اشیاء کثیرة دون ان نعرفها او نلامسها من قریب، نمنح لکل شي وجودا انطولوجیا لکن ننسی أننا مغیبون و منسیون في هذا العالم الذي اصبح بمثابة حي شعبي في روایات نجیب محفوظ یعرف اهالیە بعضهم البعض، فکیف للمنسي والمغیب ان یقرر؟ لدي ایمان عمیق بأن الشعر هو دیوان العرب والروایة هي عنوان الغرب اما بالنسبة لنا نحن الکرد، یجدر بنا ان نتسائل این نحن من الروایة؟

أن کنت تقصدین الروایة ککتابات علی ورق، نعم هناک محاولات منذ کتابة اول روایة "الراعي الکردي" للکاتب عرب شمو في ثلاثینیات القرن الماضي، لکن ان کنت تقصدین الروایة کفن و ظاهرة، اعتقد أنها غیر موجودە لیس فقط عندنا نحن الکرد بل في عموم المنطقة. الروایة هي أبنة المدینة و نحن مجتمعات قرویة نعیش کالبدوا في مباني حدیثة، المفروض ان ننصهر في المدن و نکتسب خبرات مدنیة، لکن الذي حدث هو اننا تسلحنا بکل ما هو غیر مدني و غزونا المدن الی ان اصبحت قری کبیرة. الروایة لا تلد في هکذا مجتمعات لأن الشرط الاساسي للروایة هو الحوار والموضوع ووجود الآخر. الروایة أن تعترف بالآخر و تحترم کل خصوصیاتە و حقوقە و حریاتە، ان تتیقن بأن المعارضة شرط أساسي من شروط الحکم الرشید، ان تقر مع نفسک أنک تنتمي الی دولة المواطنة، أن تجل القانون و سیادتە اي کنت، وأولا واخیرا أن تحافظ علی الذات الفردیة . فهل هناک اي من هذە الجزئیات في هذە الجغرافیا الملعونة؟ لا طبعا. هناک آلاف الکتب المطبوعة بأسم الروایة والتي اعتبرها انا مجرد قصص تعود لاشخاص لیست لهم ایة علاقة بکل ما ذکرتە. هناک أسهال شعري في عموم المنطقة وأنا اعتبر ذلک عدلا لأن هذە المجتمعات مازالت نامیة و تتصارع من اجل البقاء، بکلمة اخری مازالت مجتمعات بشریة تنتج من الأحاسیس و المشاعر ملحمات و اساطیر و تروهات، لم تصل بعد الی مرحلة الانسانیة والروایة هي حالة و انتاج انساني ولیس بشري و شتان بین هذا و ذاک.

كيف يستفيد الروائي من التراث الخاص والعام لبلورة رؤية تحدد مسار نصه؟

نحن لدینا اشکالیة في مسألة التراث، فلم یتبقی منە الا قشور تتحکم بحیاتنا العامة لاسیما بعد المد الواسع للحداثة و تأثیراتها علی بنی المجتمع. برأي لیس علی الروائي الأستفادة من التراث، بل خلق تراث جدید یواکب تطور الحیاة والانسان والمتغیرات الحدیثة في شتی المجالات. السوال الأهم، هل جئنا کي نخدم التراث أم علینا ان نستغل التراث لتصحیح مسارات الحیاة؟ للأسف نحن نعیش وسط انغلاقات جمة، بدأ من التراث حتی النص. لکل شعب تراث و تاریخ و ان شئنا ان نستفید منە، علینا أن ندرسە بشکل هرمینوطیقي و نستنبط منە احکام جدیدة تساعد عملیة الخلق والابداع.

كيف ترى الرواية الكردية قبل وبعد ٢٠٠٣ ؟

قد نجد بضائع بأسم الدول والشعوب، مثلا هناک قمح ایطالي، شاي سیلاني و سجادة فارسیة، لکن لم نسمع بأن هناک روایة ایطالیة او سیلانیة. هذە تصانیف سطحیة ینتجها الفکر الضحل، لایزال اسیرا لایدیولوجیات قومیة و عقائدیة. برأي، لیست هناک روایة کردیة او عربیة او ترکیة، بل هناک کتاب اکراد و عرب و اتراک لدیهم تجارب روائیة ناجحة و تستحق الثناء. الروایة هي حالة أنسانیة و نحن مجرد مجتمعات بشریة کما ذکرت سابقا، الروایة لغة مدنیة و نحن عبارة عن ثکنات و قلاع عسکریة، الروایة هي ظاهرة اجتماعیة تاریخیة ونحن مجرد قبائل لیست لها علاقة بالقراءة لاسیما قراءة التاریخ، الروایة هي الحیاة والمدینة ونحن مخلوقات مازلنا نعیش حیاة الغابة. أن کنت تقصدین الکتابات الورقیة، نعم فهناک تطور ملحوظ بعد العام ٢٠٠٣ ولکن علی حساب الجودة للأسف. أنا اعتقد بأن هناک خلط في المفاهیم و لذلک یستحسن ان نعید قراءتنا لمفاهیم کثیرة ومنها الروایة. الروایة تعني التنقیط والتفاصیل المهمة في الحیاة، تعني الحب والسلام و الرقي، فهل هناک شي من هذا القبیل في مجتمعاتنا، اذا فمن أین تأتي جحافل الظلام والأرهاب والتخلف؟ یبدوا اننا نعیش الزمن الأصعب، أنا اسمیە زمن الانتاج الرديء من کل النواحي والعمل الروائي لیس بأستثناء.

ماذا ينقصك كروائي؟

أنا اکتب الروایة للأنسان ولیس للبشر و ینقصني ما ینقص ذاک الانسان في هذە المجتمعات التي اراها مجرد حطامیات للأسف.

من أين تخلق الشخصية الروائية عندك؟

یجب ان نتحرر من الفکرة السائدة بأن الکاتب هو رب النص او سیدە، بنظري أن الکاتب هو خادم للنص، یهندس البناء الروائي حسب خطط و آلیات هندسکتابیة و لذلک، أنا فقط اتعرف علی الشخصیة من خلال سفر الکتابة. مثلا في العمل الروائي الاخیر والذي انتهیت من بناءە للتو، أنتظرت "آزاد" المهاجر کي یستمر في مشوارە و یستقر في احدی الدول الأسکندنافیة، حیث کان مقیما في موسکو، تفاجئت بأنە یصر علی العودة الی کردستان بعد لقاء مع شخصیة اخری في الروایة و هذا کان تحدیا لي، و في النهایة احترمت قرارە و بناءا علی ذلک تغیرت البنیة الفوقیة للروایة و اتخذت قصتە منحی آخر لم تکن في الحسبان. بکلمة اخری، أنا لا آتي بشي جدید من العدم لکن اکتشفە في الواقع حتی وان لم نرە.

اذا ما فكرت يوما في كتابة سيرتك الذاتية هل ستكتب كل شيء عنك (المحرج الصعب المحزن) ام سكتبت شيء وتترك شيئا اخر؟

سأکتب کل شي یستحق القراءة فقط.

الا ترى ان الرواية اصبحت كالموضة فصار كل من هب ودب يكتب رواية ويطلق على نفسه روائي؟

اجل، الأمر کذلک، لکن لیس فقط في مجال الروایة، بل حتی في السیاسة والفن و الکتابة بصورة عامة و لذلک قلت لک سابقا بأننا نعیش في زمن الأنتاج الرديء.

اخر اعمالك؟

باب الدنیا، عنوان الروایة الاخیرة والتي انهیتها قبل فترة قصیرة و لتکن مفاجئة للقراء بعد انقطاع دام اکثر من عقد من الزمن.

امرأة من زمن آخر

مقالة نقدیة للاستاذ الناقد المصري المرحوم علاء دیب

«صبرى سليفاني» روائى وشاعر كردي، عاش فترة طويلة فى هولندا، قدم خلالها عددا من الروايات ودواوين الشعر عبرت فى الأزمة المركبة للأكراد، والعراق والمنافى الإختيارية والإجبارية، التى يعيش فيها المثقف والفنان العربى منذ عقود.
رواية: أسماك دجلة ظمآته، وديوان «خريف الكلمات وديوان «عشرة أحلام» وغيرهم يؤكد أننا امام كاتب كبير يحمل هما أكبر.
الرواية التى صعدت عن هيئة قصور الثقافة المصرية بعنوان: «مريم امرأة من زمن آخر» فى ترجمة عربية حساسة قام بها الكاتب العراقي«سامى الحاج» الذى يقيم هو الآخر فى السويد تدخلنا عبر أشواك الحالة الكردية والحالة العراقية إلى قلب قضية أكثر صعوبة وتعقيدا.. قضية المرأة فى العالم العربى الآن.
مريم امرأة كردية فنانة تشكيلية بلغت عامها السادس والثلاثين، وهى وحيدة تحتفل بعيد ميلادها، ليس عندها من يشاركها سوى صديقة قديمة «نادين» كانت قد تركت البلاد وهاجرت، ولكنها عادت ربما لكى تسمع «مريم» وهى تروى فى فيض جارح سبل حياتها القاسية الموحشة ونسمعه نحن فى اعتراف متصل يلقى ضوءا حارقا على كل جوانب حياة المرأة الشرقية.
تعرضت «مريم» لحادث اغتصاب مبكر من مشعوذ ودجال دخل حياتهم عن طريق «زو» الأب اللعوب لكى يفسد بعد ذلك صورة «الرجل» طوال الحياة.
«لقد خوفونا من كل شيء من الله، من يوم القيامة، من جهنم من القبر وأسئلة ناكر وناكير.. بل حتى من ذواتنا المنقبة فى داخلنا»
«والخوف هو أسوأ شيء على هذه الأرض» ظل الخوف يحاصرها وهى تقاومه، خاصة بعد حملها إثر هذا الاغتصاب، وموت الجنين الذى تصورت أنه سيكون عوضا عن والدها الذى رحل ساحبا كل حب حقيقى وأمان من حياتها.
تشق مريم طريقا صعبا تحت الفقر وظروف الحرب وحملات صدام حسين، ونزوح الأكراد وتجبر من بقى من الرجال:
«كل شيء اقترب منه فى هذه المدينة ينقلب ذكرا ماذا عسانا نحن الفتيات المسكينات ان نفعل؟ كل ذكر دون أن يبنى هرما واحدا يود أن يصبح فرعونا، وان نرقص نحن أمام عتبة هوشة، لقد تعبت بما فيه الكفاية، تعبت من كل شيء هل تصدقين أننى أحيانا ما أحسد الجواري».
كان الرسم هو أحد الحلول فى محاولتها للخروج من الحصار الذكورى الخانق، ولكن كيف ترسم الأشياء كما تراها أم كما تفكر فيها، انها تعيش فى زمن وتحلم بزمن آخر، زمن أخذه أبوها معه عندما مات.
«فى خلوتي» اقول لنفسى يجب أن أحاكم أبواى فى قبرهما.. لأن والدى علمنى الحب والتسامح فى هذا الزمن الردئ وأمى فطمتنى على الرقة والطهارة.
صور الكاتب طريق مريم إلى الرسم فى شاعرية آسره
«تحدث قوس قزح معى بلسان الألوان.. وقال: هات يدك.. مددت يدى وفى منتصف الطريق إليه تعثرت، هناك فى الأسفل أتجه نحوى شخص عجيب وغريب، ساقاه من ماء، بطنه من تراب.. رأسه من ريح، ويداه من لهب.. بيديه أخذ يعرينى دون أن يحرقني، ثم غسلنى بالألوان.. تحركت أحشائى فأدركت أنى حبلت بالألوان..
تجارب مريم مع الرجال مرت بكل الطرق التى كشفت حصاره المرأة فى عالم يحكمه الرجل، عرفت مريم »البشميركي« الغدائى الكردى الذى تكشف فى النهاية عن أنه تاجر سلاح، كما عرفت اليسارى الشيوعى الذى خاف أن يتورط معها لكى لا تطالبه بالأرتباط، أما الاسلامى فما أن أحس أنها تميل إليه حتى سارع فى فرض شروط الحجاب.
تضيق مريم بتكرار الفشل مع الرجال وتقول لصديقتها »نادين«: أتمنى أن يأتى مؤرخ ليدون قصتى مع رجال آخر زمن كيف أصبحت عاهرة فى معبد عشتار القرن الحادى والعشرين، من أجل أرضاء قدرى عيدهم الحياء، ومجتمعى المتناقض مع نفسه.
فى الشرق، موطن الأنبياء والخلفاء، فى عواصم الموت والفقر من يثق بالشخص المقابل، الثقة المتبادلة حتى من الحقوق، لو أن الثقة موجودة لما كان هناك قتل.. أو احتلال، أشعر أن أبى قد علمنى الوقوف، ونسى أن يعلمنى المشي!.
فى النهاية تحاول مريم ترتيب الهجرة، وعندما تصل إلى نهاية المراحل يكون عليها أن تلتقط لنفسها صورة فوتوغرافية هناك أخيرا تلتقى »برجل« رجل من نوع آخر توقف أجراءات الهجرة وتدخل معه فى قصة غرام حقيقية وتتبدل حياة »مريم« ويشرق فى حياتها قوس قزح من جديد كل شئ فيه حقيقى ومختلف ولكن: لابد من هذا الـ لكن: قال
- أنا يا مريم لا انفعك لا أستطيع الزواج بك، أنا مصاب، فى معارك اقتتال الاخوه الأعداء أصبت بطلق نارى بين فخذى!
- وبعد ذلك يا مريم
- ماذا بعد يانادين.
وتنتهى الرواية الوثيقة الشاعرية التى تفتح بحارا من الاسئلة.

تقریر للکاتب هیثم حسین عن روایة مریم للکاتب صبري سلیڤاني

مريم ومعاناة المرأة الكردية

يحرص الروائيّ الكردي صبري سليفاني على أن ينقل في روايته "مريم امرأة من زمن آخر" معاناة المرأة في كردستان العراق، ولاسيما أن الإقليم شهد في السنوات الأخيرة حالات انتحار كثيرة من قبل النساء، مما يشي بحجم الغبن الجاثم على صدور النساء في مجتمع يزعم المحافظة على القيم والتقاليد، وتدفع فيه المرأة ضريبة أفعال الرجل وجرائمه بحقّها وحقّ المجتمع.

برغم أن سليفاني يختار نسبة بطلته مريم إلى زمن آخر، في روايته التي أصدرتها مؤخرا الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة بترجمة سامي الحاج، فإنه يستهل الفصل الأول بتحديد زماني هو الأول من يوليو/تموز، وتكون مدينة "دهوك" التي تقع في كردستان العراق الحاضنة المكانية ومسرح الأحداث التي تطبعها بطابع مختلف لا يخلو من الغرابة والإيلام.

"في الرواية تنتقل مريم من قهر إلى آخر، تكتشف حقائق الحياة وتتراكم لديها الخبرة بعد تجارب مؤلمة توشك أن تقضي عليها كل مرة"

عار الآخرين
مريم هي الراوية الكلية العلم، وهي من زمننا الحاضر، وما الآخر إلا اللحظة المَعيشة، تراها تخاطب امرأة أخرى اسمها "نارين"، تناجيها وتواسي نفسها أثناء مناجيَاتها لها ومعها، و"نارين" كردية مثلها لكنها تعيش في أوروبا، بينما مريم تعيش في دهوك التي تذوق فيها مرارات كثيرة على أيدي أقاربها ومَن يفترض فيهم حمايتها.

تنتقل مريم من قهر إلى آخر، تكتشف حقائق الحياة وتتراكم لديها الخبرة بعد تجارب مؤلمة توشك أن تقضي عليها كل مرة، لكنها تستعيد بعض القوة لتتمكن من الاستمرار ولا تلجأ إلى الانتحار لتخفي بشاعة ما مورس بحقّها، بل تفضل البقاء شاهرة عار الآخرين في وجوههم وكاشفة الغطاء عن الجرائم التي تسجل ضد مجهولين.

مريم فنّانة تشكيلية، تبلغ السادسة والثلاثين من عمرها، تقاسي عسف المحيطين بها، تفقد أمها وهي طفلة، فيتزوج والدها امرأة لعوبا اسمها "منجول"، ويموت بعد زواجه ذلك بمدة قصيرة فيتركها بين براثن "منجول" وعشيقها "محمد ميرى" الذي ينتهك براءتها ويغتصب بسمتها ويعكر حياتها ويسمم مستقبلها.

وبالتواطؤ مع "منجول" وصمت متخاذل من قبل زوجته، يرهنها محمد ميرى لنزواته المرضية. وتفجع مريم باكتشافها حملها، ويكون ذلك إيذانا باقتراب النهاية، لكن ذلك الحمل لا يكتمل إذ تجهض في ظروف قاسية، فتتحول بدورها إلى امرأة قاسية، تحيط نفسها بجدران مصطنعة من القسوة كي تتمكن من مواجهة القسوة التي تُعامَل بها.

بعد ذلك تتعرف إلى أصناف أخرى من الرجال، "هزار" الثوري، "إسلام" الشيوعي، "هاوار" الإسلامي، "كرمانج "المصوّر. ويكون كل واحد من أولئك الرجال غارقا في مستنقع بعينه.

ترى أحدهم يرفع ستارة الثورة فيغدو تاجر سلاح وثري حرب. وتجد الآخر يعيش نكبة سقوط الإمبراطورية التي ضحى سنوات من عمره وهو يدافع عنها، ثم آخر يتخذ الدين واجهة وستارة ليخفي علله. وحين تعتقد أنها تعرفت إلى رجل يستحق أنوثتها وجمالها وحبّها تصدَم بأنه فقد رجولته في اقتتال الإخوة الأعداء الذي شهده الإقليم الذي دام من 1994 إلى 1998.

"يسرد صبري سليفاني حياة مشحونة بالمرارة والفجيعة، تحمل في طيّاتها بذرة تغيير مأمول بناء على إرادة قوية"

مكابدة الحياة
تقرّ مريم بأنها مجروحة في حرب الوجود والعدم، وأنها تكابد للحياة في واقع مميت، وتتألم كيف أن حروبا كثيرة انتهت، لكن حربها مع مخلفات التراث البالي لا تزال مستمرة.

تكون لوحاتها مسكونة ببشر متربصين بها وبأنوثتها، وثعابين تلدغها وشروخ لا تستدلّ إلى التئام وشواهد قبور متناسلة وأدخنة قطارات تشكل غيوما حاجبة تمطر أحقادا متعاظمة. وفي حين أنها ترسم لوحاتها بمختلف الألوان تظلّ حياتها عبارة عن لوحة بلون أسود قاتم، تتخلله تدرجات الأبيض الذي لا يغير شيئا فيها بقدر ما يزيدها قتامة وأسى.

لا تتحدث البطلة عن امرأة بعينها فقط، وإن كانت بمسيرتها وحكايتها المأساوية تختصر حكايات "مريمات" كثيرات ممن لا يملكن جرأة البوح والمكاشفة، ولاسيما في ظل مجتمع فحولي ينظر إلى المرأة كسلعة أو كوسيلة للمتعة، ويكون التعامل بفظاعة ووحشية مع أية محاولة للخروج من طوق الانحياز للرجل، مهما تعاظمت علله وخطاياه. ولا تكون معاناتها فرديّة أو حالة بقدر ما تعكس ظاهرة يتمّ غضّ الطرف عنها وتأجيل البتّ في معالجة آثارها المدمّرة.

يعكس سليفاني في روايته مظاهر من تواطؤ المرأة على بنات جنسها، ومشاهد من خذلانها في مواجهة الظلم الواقع على غيرها من النسوة، في تمسّك بائس من قبلها بالرجل المتسلط، لأن عدم وقوفها إلى صفه قد يعني لها التشرد أو القتل تحت أية حجة، وذلك دون أن يتم تجريم القاتل أو محاكمته، لأنه سيسوّر الجريمة بحجج الشرف ويبدد بذلك أية محاولة للمساءلة والمحاكمة.

يحتفي سيلفاني بالوجع والغربة والخوف، يسرد حياة مشحونة بالمرارة والفجيعة، تحمل في طيّاتها بذرة تغيير مأمول بناء على إرادة قوية. تكون مريم البوّاحة بالأسى شرارة التغيير ونارين المصغية مشكلة معها قطبي المعادلة التي تسعى لوضع أساس للتغيير، فإحداهما تنشد الهرب إلى الغرب والأخرى تعود من الغرب. وتظل المرأة مغتربة عن واقعها، حاملة غربتها معها في حلها وترحالها.

ربما يمكن توصيف الرواية على أنها مرافعة رجالية عن حقوق المرأة المغتالة وحياتها المهدورة، ينقل سليفاني بنقمة وغضب، رسالة فحواها أنه لابد من بناء الإنسان قبل الشروع في بناء الأوطان، وأن المجتمع الذي يعطل حياة نسائه ويدفع بهن إلى هاوية اليأس والاغتراب والانتحار سيظل بدائيا قاصرا معتلّا، ولن يتمكن من تحقيق التطور المنشود. ويصور كيف أن الخوف الذي يغتال البشر يبقيهم هياكل جوفاء في مجتمع مفكك.

المصدر: قناة الجزیرة

https://www.aljazeera.net/news/pages/579c6e6e-40f2-404b-baca-69840f884802 

مریەم... أنثی من الشرق

عمر أبو النصر/ مصر 

مريم .. امرأة من زمن آخر ؛ رواية للكاتب الكردى صبرى سليفانى تُرجمت مؤخراً إلى العربية عبر مُخيلة المترجم الرائع سامى الحاج ضمن إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة . والترجمة بحد ذاتها تحمل إبداعاً من نوع آخر ، حيث استطاع سامى الحاج أن يعيش داخل روح المؤلف ، ويتجول بين ثنايا اللغتين العربية والكردية ويلقى بظلال كل منهما على الأخرى ، حتى لتكاد تُجزم أن الكاتب هو المترجم ، وهو شعور لا ينقله إلا المترجمين الأذكياء المتمكنين .
وعن الأحداث ، فالرواية تدور حول الشرق فى صورته التى نعرفها ونكتمها ، عن الإغتصاب المعنوى للأنثى ، عن الرذيلة وارتباطها بالوطن ، والوطن وعلاقته بالتركيبة النفسية للأفراد ، عن ما فعلته بنا الليالى المشرقية ، عن "مريم" التى تسرد لصديقتها العائدة من الغرب "نارين" ما حدث وما يحدث فى الوطن ، ورغم أن الإطار الجغرافى للأحداث يقع فى مدينة كُردية ، والشخصيات كُردية ، والمأساة كُردية والحُزن الكامن بين ثنايا الكلمات كُردى ، إلا أنى لا أرى فيها إلا المعاناة الحقيقية لهذا الوطن الذى يمتد من المُحيط إلى الخليج ، لا يمكنك أن تقرأ ولا تشعر أن مريم مرت بجوارك يوماً ما ، أنها كانت جارتك فى بيتكم القديم ، تلك التى مزقها الزمان بأنيابه تعيش بيننا ، وربما داخلنا .تتجلى عبقرية صبرى سليفانى السردية فى الإيحاءات والإسقاطات ، كُل الأحداث تؤدى إلى ما هو أبعد ، هذا الذى بدأ رحلة العبث فى جسد الفتاة ؛ اسمه "الرجل" ، وهو هُنا الشر مُتجسداً فى جسدٍ ممتلئ أصلع ، والرذيلة اسمها "ناجول" وهى زوجة الأب العابثة ، التى تُلقى بمريم بين فكى "الرجل" ، إنه الوطن يا صديقى . وعبر الثلاث رجال الذين تتقاطع حياتهم مع حياة مريم بعد ذالك ، نرى الأوجه الثلاثة للخطيئة ، الجريمة ؛ نفاق الذات ؛ الأصولية . يُعاملها الأول ـ الجندى وتاجر السلاح ـ بعقلية الذكورى المٌتملك ، وترى فى الثانى ـ الشيوعى الذى يُناقض مبادئه ـ مدى سطحية شعاراتك يا وطن ، ويغلق أمامها الثالث أبواب الرحمة .
يضع سليفانى الجنس فى مكانه الطبيعى ؛ كأى شئ . حالة نفسية يُعبر عنها بوضوح دون إسفاف ، فلا يختزلها حتى الإختناق ولا يُظهرها حتى المجون ، وبهذا يكون قد تجاوز الكمين الذى تنصبه الأفكار الشرقية للكُتاب ، فنراه يُعبر عن إغتصاب مريم بشكل واضح ، حتى أن جسدك يغلى من فرط الغضب ، ويصلك الشعور ببشاعة الجريمة كاملاً ، ويُعبر عن موقف الرغبة بين مريم وحبيبها الثانى "الشيوعى" بوضوح ، عندما تُحدثه على الهاتف وهى فى قمة الشبق ، سليفانى أجاد العبور من مضيق الجنس .
وتنتهى الرواية بشكل مفتوح ، تماماً كما هى مصادر الوجع التى لا تٌغلق أبداً ، عندما تصل مريم إلى الرجل الذى تشعر برجولته ، تعرف أنه قد فقد ذكورته يوماً ما بسبب رصاصة طائشة ، وكأن الكاتب يضعك وجهاً لوجه أمام الخط الفاصل بين الرجولة والذكورة ، من بين الرجال الذين مروا عليها لم تعرف رجلاً ، وعندما تعرفه ؛ يبكى وهو يشرح لها كيف لا يمكن أن يتزوجا ، وهنا إشعار بأن يظل الوضع على ما هو عليه .

© 2020 Sabri Silevani. All rights reserved.
Powered by Webnode
Create your website for free! This website was made with Webnode. Create your own for free today! Get started